يسوء السلطات القضائية النشر الصحفي في القضايا قيد التحري والنظر، مخافة التأثير على الأحكام النهائية. يساندهم في ذلك حق أصيل وارد في مواد قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009م. لكن انتقادات أهل القضاء وصلت هذه المرة إلى دور الصحف، ليس بسبب التجاوز ونشر مواد في قضايا منظورة، بل بإرسال اتهامات صريحة لإعلاميين وتنفيذيين – دون تسمية- بالإساءة للقضاة والقضاء على حد سواء.
وفي تلك المسافة الفاصلة بين السلطتين الثالثة والرابعة، بدت التقاطعات واضحة حسب بيان السلطة القضائية، وفي هذه المسافة تحاول (الصيحة) تبيان المواقف والحدود.
تحذيرات
يمكن تفسير بيان السلطة القضائية، بأنه تحذير غير مباشر للصحف، بالكف عن النشر في القضايا التي ما تزال قابعة في المحاكم، والأهم التوقف عن توجيه إساءات للقضاء وأحكامه.
يقول البيان الصادر عن السلطات القضائية (إننا إذ ننشر هذا البيان لنثق في تحمل الإعلام مسؤوليته تجاه ميثاق شرفه وتعامله بحياد ومهنية ويكفينا من الضمانات إعلاميون أفذاذ ساهموا في وضع مدونة أخلاق المهنة التي نرجوها سندًا وعوناً لتحقيق العدل).
وسكت البيان عن الإجراءات التي يمكن اتخاذها بحق المخالفين، ولكن الإشارات الضمنية تقول إن القضاء في طريقه لحسم كل مخالفة.
مهنية
هذه دفوعات القضاء، ولكن الصحف في المقابل تؤكد سيرها في طريق المهنية، والتزامها بمواثيق الشرف الصحفي، ولا يمكن عدّ الحادثات التي ما لم تؤشر لها الصحف لهدمت صوامع وبيع وصلوات.
وتشكو الصحافة السودانية من كثرة الجهات المسؤولة التي تعرض عليها في المخالفات الصحفية أو ما يظن أنه مخالفات صحفية، ويظل (الرك) دائماً عند كل ملم هو اللجوء للقضاء، وبالتالي يتساءل أهل الإعلام، كيف لمن يلتجئ إلى حصن الإعلام أن ينتاشه بلا وجه حق.
ويقود ذات بيان السلطة القضائية إلى نقطة مهمة، ذات صلة بالشفافية، فما الضير في نقل صحيفة التحري ما لم يصدر قرار بوقف نشر تفاصيلها وملابساتها. ثم ما الضير من انتقاد الأحكام القضائية والقضاة طالما تم ذلك بموضوعية متبوع بدعوات للمراجعة إن أمكن للانتصاف لمن يعتقد أنه تم التجني عليه.
بشروط
يعتبر د. نبيل أديب من أكثر أهل القانون صلة بالصحف، ولذا اتصلت به (الصيحة) لتعرف رأيه في البيان المذيل باسم المتحدث باسم السلطة القضائية القاضي خالد حمزة زين العابدين. فأقر ابتداءً بوجود مدرستين، الإنجليزية التي لديها شروط صارمة ومتوسعة لنقل ما يدور في المحاكم مقابل المدرسة الأمريكية التي تسمح بالنقل شريطة عدم الأضرار بأصحاب القضية محل النظر.
وأكد أديب بأنه لا ضير من نشر الصحف للقضايا قيد النظر شريطة عدم صدور قرارات بوقف النشر، وأن يكون النقل دقيقاً دون ذكر أسماء، والأهم بلا إحداث تأثير على مجريات سير العدالة بالنسبة للمتهم في القضايا الجنائية والأطراف في القضايا المدنية. ويفهم من ذلك أن على الصحف النقل الدقيق ورصد وقائع المحاكمات من يومية التحري، وإن من آراء على المتون فلتكن من قانونيين.
وبالعودة إلى بيان السلطة القضائية، عبّر أديب عن دهشته من وجود متحدث باسم القضاء، وقال إن البيان يدخل ضمن (التقرير في غير محكمة). ومع قولته إن الأحكام القضائية والقضاة ليسوا في محل تقديس، أشار أديب إلى نقطة مهمة تتصل بعدم أحقية الصحف انتقاد القضاة بسبب مهنتهم، ولكن يحق انتقاد أحكامهم طالما كان احترام القانون موفوراً، والحديث موضوعياً دونما إسفاف.
أوضاع غير طبيعية
من العلامات المهمة في بيان السلطة القضائية، أنه جاء خلواً من الحادثات التي جعلته يصدر ابتداءً.
يصف رئيس تحرير صحيفة (الأهرام اليوم)، رئيس جمعية (صحفيون ضد الجريمة)، الأستاذ طارق عبد الله، علاقة الإعلام والقضاء بأنها علاقة قائمة على الاحترام المتبادل، وقال إنها علاقة موجودة ومستمرة. مشيراً في حديثه لـ (الصيحة) بأن البيان يعبر عن علاقة غير طبيعية، ناجمة عن قضايا تم ربطها بالسياسة، وضرب مثلاً بقضية طالب جامعة الخرطوم، عاصم عمر، وقال إن الحمولات السياسية ظاهرة في هذه القضية بوضوح. مشدداً على أنه متى انتفت الأوضاع غير الطبيعية فإن علائق الصحافة والقضاء ستعود على ما كانت عليه. مذكراً بأنه لم ترصد أية حالات مخالفات بحق الصحفيين المتخصصين في نقل أخبار الحوادث والمحاكم طيلة العام 2017 ما يدلل على مهنية الصحافة العالية.
تعميم مخل
يظهر بيان السلطة القضائية حالة تذمر من الصحافة، ولكن تخصيص قضايا بعينها وتسمية شخوص، كان ليجنب الصحف حرج التعميم الذي يعكس تناقصاً -غير حقيقي- في مهنية الصحفيين الذين بفضل كتاباتهم تراجعت وزارة العدل عن أحكام سابقة كما جرى في حادثة مكتب والي الخرطوم السابق، د. عبد الرحمن الخضر.
السودان اليوم